أكثر الأسباب لخيانة غير متوقعة نحللها في هذا المقال

من المرآة المخيفة إلى المثلث الخياني: رحلة الأنا القلقة – الخيانة بوصفها خيانة للذات قبل أن تكون خيانة للشريك

من المرآة المخيفة إلى المثلث الخياني: رحلة الأنا القلقة – الخيانة بوصفها خيانة للذات قبل أن تكون خيانة للشريك

ليس هناك سبب ظاهر للخيانة. قد يقول أحدهم: يحبني، يقدّرني، لا يفتقر إلى الدفء أو الاهتمام. وقد تقول أخرى: لم أقصّر يومًا، لم أترك فراغًا، ومع ذلك وقع الغدر.

الخيانة، في حقيقتها، لا تطيع منطق الحسابات اليومية. إنها ليست دائمًا نتيجة نقصٍ في العاطفة أو فتورٍ في الرغبة. أحيانًا تحدث رغم وجود الحب، بل وسط ذروته. وكأنها ليست تمرّدًا على الآخر، بل على مرآته. مرآة تكشف هشاشتنا الداخلية، وتضعنا أمام خوفٍ عميق من الانكشاف، فيدفعنا هذا القلق إلى البحث عن انعكاس آخر، أبسط، أسهل، وأقلّ إلحاحًا على الصدق.

التهرّب كظلّ داخلي

التهرّب العاطفي ليس استقلالية ناضجة كما يتوهّم صاحبه، بل هو قناع دفاعي يخفّض حرارة العلاقة. هو انسحاب ناعم، أو صمت طويل، أو انشغال دائم يبرر نفسه بالعقلانية. خلف هذا القناع، يقف خوف دفين من الذوبان في الآخر أو من رفض محتمل. وكأنّ المتجنّب يختار أمان المسافة على حساب أمان القرب. النتيجة: علاقة تبدو هادئة، لكنها باردة من الداخل، فقيرة في الأمان الوجداني الذي تحتاجه الأرواح كي تزدهر.

مرآة الشريك

العلاقة الحقيقية هي مرآة…. تكشف ما نخشاه قبل أن تمنحنا ما نطلبه. هذه المرآة تفضح الاحتياجات التي حاول المتجنّب دفنها: رغبته في الاطمئنان، خوفه من الفقد، توقه إلى الحميمية. لذلك تصبح المرآة نفسها خطرة، لأنها تُعرّيه أمام ذاته. فيلجأ إلى آليات الإطفاء: سخرية خفيفة، عقلنة متصلبة، أو انشغال محسوب يقطع الطريق على أي انكشاف عاطفي.

المرآة الحقيقية تكشف ايضا وضع صاحبها الحقيقي. إنها تكشف هشاشته الاجتماعية، قلقه المادي، أو جراحه الجسدية والمعنوية.. التي يحاول سترها خلف صورة بديلة. أحيانًا، حين يدخل شخص في علاقة جانبية، فهو لا يبحث عن جسد آخر بقدر ما يبحث عن صورة أكثر احتمالًا لذاته؛ صورة تمنحه وهماً بالقيمة أو بالجاذبية أو بالنجاح. في هذه اللحظة، لا يكون الشريك الآخر هو المقصود بالخيانة، بل الذات الممزّقة التي لم تحتمل مواجهة مرآتها الأصلية.

من التهرّب إلى الخيانة

حين تتراكم الفجوات الوجدانية، يبدأ الشعور بعدم الأهمية في التسرّب إلى الداخل. هنا تنشأ الحاجة إلى مرآة بديلة، أقل إلحاحًا وأخفّ مطالبة. الخيانة لا تأتي إذن كاستبدال للشريك، بل كبحث عن صورة أبسط للذات، صورة غير مثقلة بالعمق. تُبنى مثلثات عاطفية: علاقة أساسية تمنح أمانًا هشًا، وأخرى جانبية تمنح إثارة أو تقديرًا سريعًا. لكن هذا التوزيع يضاعف الانقسام الداخلي بدل أن يعالجه، ويحوّل الخيانة إلى خيانة للذات قبل أن تكون خيانة للشريك.

رقصة المطارد والمنسحب

تتشكل ديناميكية مأساوية: كلما طلب المطارد وضوحًا ودفئًا، انسحب المتجنّب أكثر ليحافظ على سيطرته الداخلية. وكلما ازداد الانسحاب، تضاعف لهاث المطارد. تنغلق الأبواب أمام الإصلاح، وتُستبدل لغة العاطفة بلغة التأويلات والاتهامات. وهكذا تُفتح الطريق إلى خيانة مزدوجة: خيانة للحوار، ثم خيانة للميثاق.

لماذا الخيانة بالذات؟

الخيانة هنا ليست شهوة عابرة بقدر ما هي استجابة دفاعية للقلق. قلقٌ من المرآة التي تطلب صدقًا ودفئًا، فيُستبدل بمرآة أخرى تُعطي تقديرًا بلا مطالب. إنها محاولة لترميم جرح الأنا عبر تعزيز خارجي قصير المدى، لكنها في النهاية تزيد التفكك الداخلي وتوسّع المسافة مع الذات ومع الآخر معًا.

بداية الإصلاح

الإصلاح لا يبدأ عند كشف الخيانة، بل عند تسمية الهروب باسمه: “أتهرّب حين أخاف الانكشاف”. التسمية تكسر سحر الدفاع. بعدها تأتي الخطوات الصغيرة: جرعات قرب محسوبة، مرايا آمنة لا تُهين، لغة صريحة تعوّض العتب بالطلب. الإصغاء اليومي ولو لعشر دقائق يصبح تمرينًا لإعادة الثقة، واللقاء الجنسي الأسبوعي المهيأ بعناية يتحول إلى طقس يعيد كتابة ذاكرة القرب.

عند وقوع الخيانة

لا يمكن لأي إصلاح أن يتم دون وقف السرية. الشفافية هنا ليست تفتيشًا مرضيًا بل شرطًا لإعادة بناء الأمان. يتحمّل الخائن مسؤوليته بلا تبرير، بينما يتعلم الطرف الآخر تحويل غضبه إلى طلبات واضحة. تُعاد استثمارات الوقت والعاطفة ببطء، ويُفتح المجال أمام علاج منظم يضبط وتيرة الإفصاح ويمنع الغرق في ماضٍ لا ينتهي.

البوصلة الداخلية

المتجنّب مدعوّ لتجريب الهشاشة في جرعات صغيرة، دقيقة أو اثنتين من الاعتراف قبل العودة إلى مساحة آمنة. غير المتجنّب مدعوّ إلى استبدال المطاردة بلغة الطلب، وإلى تقدير أي اقتراب دون إذلال الذات. كلاهما يحتاج إلى مرآة آمنة: مرآة تستقبل قبل أن تصحّح، وتسمّي قبل أن تنصح.

اللمحة العصبية

الخيانة ليست مجرد قصة أخلاقية؛ إنها أيضًا نتيجة عصبية. حين تعيش اللوزة الدماغية في يقظة دائمة بسبب تاريخ من القرب غير الآمن، تضيق نافذة التحمل. لكن الدماغ يملك مرونة. عبر التنفس البطيء، واليقظة الذهنية، وإعادة التقييم المعرفي، يمكن للقشرة الجبهية أن تعيد تنظيم الإشارات الانفعالية. بالتكرار، تُكتب ذاكرة جديدة: ذاكرة تسمح باللقاء دون خوف، وتعيد للخيانة معناها الحقيقي كجرس إنذار لا كقدر محتوم.

المقال السابق

السردية خيط الحياة: من الفوضى إلى الاتساق النفسي

المقال التالي

الألاعيب النفسية: حين تصبح العلاقات مسرحاً للوعي الملتبس

أضف تعليقًا

شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في نشرتنا الإخبارية

انضم إلى عائلتنا واشترك في نشرتنا البريدية لتصلك أحدث المقالات والنصائح مباشرة إلى بريدك الإلكتروني، وكن دائمًا أول من يطّلع على الجديد!
إلهام خالص، من دون رسائل مزعجة