التوازن النفسي لا ينجح باتباع قواعد واضحة.. مع كائن يعيش طبيعة السيرورة..

أي أنه على الدوام في رحلة تطور أو انتكاس..

فهم أن النفس هي حيويتة تتغير باستمرار أفضل من فهم أنها تعيش حالة استقرار.. سواء كانت إيجابية أو سيئة..

هناك هوس يصيب المكتئبين اسمه سؤال ” الدائرة المفرغة” هل سأبقى دائما هكذا؟

مهما حصل على الجواب الجميل على هذا السؤال.. من قبيل ” لا سوف تشفى وهناك نماذج تفكير أخرى أفضل ” فهو يحصل في العمق على سجن.. على إطار يقول له سبقى هكذا لأنك غير مؤهل للتغير..

أعتقد أن الجواب الأنسب لطبيعة النفس هو أن طبيعة الانسان في سيرورة مستمرة.. رحلة يحكمها عدم الاستقرار على حال.. ويبقى مربط التحكم فقط في طبيعة التجاوب مع المتغير الحالي والقادم..

مثلا.. يقترح المحللون النفسيون على المكتئب أن يحكي دون بوصلة.. خلال الحكي الحر تظهر شيئا فشيئا بوصلته التي يسير فيها و يخشى اكتشافها.. مجرد كشف تفاصيلها عبر التداعي الحر يعطيه ثقة أن يفهم الكثير من التضخيمات ويضعها في حجمها الحقيقي.

والأهم من ذلك أن يحصل على ارتياح عميق من مطاردات وهمية كانت قبل التداعي الحر حقيقية تؤذي نفسه بقوة.. وتتسبب في إحساس الدائرة المغلقة والمفرغة..

قصة ملهمة لتخطي نوبات الهلع والاكتئاب الناتج عنها

قصة ألهمتني بقوة لصديق تخطى مرض نوبات الهلع القوية والاكتئاب

أحكيها كما سمعتها منه

صاحبي العزيز نزل عليه هذا المرض وهو في ضائقة مادية وبالتالي اجتماعية.. مسؤول عن أسرة ولتوه استقال من عمله ليدخل العمل الحر.. وبكل ما للموقف من تبعات نفسية قاسية وشديدة الضغط كان صامدا يفكر ويشتغل يوميا للخروج من ضائقته المادية.. في أحد الصباحات تفاجأ صديقي بنوبة هلع كانت أقوى مما يحتمل..

إجهاد قوى ودقات قلبه تكاد تفجر قلبه لدرجة أن طلب في تلك اللحظة الإسعاف.. لم يشخص الطبيب أي مرض عضوي ونصحه بالطب النفسي..

لجأ لطبيبة نفسية.. وكان من حظه أنها لا تكتفي بوصف الدواء فقط.. بل تابعت معه خلال جلسات العلاج النفسي عبر حوار عميق وتقنيات الاسترخاء وتعديل الأفكار التي تتسبب في إسقاطه في تلك النوبات المرهقة..

لم تكن رحلة العلج سهلة.. ولكنه لم يكن سهلا للمرض.. كان هذا البطل يتعامل بجدية مع حديث طبيبته.. وقاوم كل تبعات الاكتئات وأفكاره السوداء.. الخوف من الموت وترك أسرته وطفلته دون معيل.. خوفه من الفشل وسط سوق حر لايرحم الضعيف..

بدأ يتعافى صديقي مع كل طاقته التي تمسك عبرها بالحياة.. واجه نوبات الذعر بالاسترخاء ومواجهة مخاوفه.. ثم بعدم تضخيمها وفهم عمقها.. مارس كل النصائح بجدية.. انقطع عن التدخين ومارس الرياضة واتخذ من الأفكار الإيجابية وقدرة عالية لتحليل واقعه ومعالجته كما هو..

هذه الرحلة كلفته كل مايكلف رجلا لاوقت لديه لترك عمله في سبيل علاجه ولا ترك علاجه من أجل الانشغال برزق اليوم.. لكن كان جريئا بالقدر الكافي ليترك أحيانا عمله وأسرته لأجل استهلاك يوم كامل مثلا في الاسترخاء وتأجيل كل المواعيد..

كان تقدمه في عمله جزء من علاجه أيضا.. فحصوله على أول صفقة مكنته من تخطي ضائقته وإتقان واجبات صفقته بكل ما تستحقه التزمات الصفقة.. ولعل شغفه بعمله وتعلمه المستمر ساعداه في ذلك..